الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها
عبد اللطيف بن الحسن(1/2)
تعاني الصحوة اليوم من ضعف فـي طاقاتها العاملة المؤهلة التأهيل اللازم، مما يساعد على محدودية الانتشار، ونخبوية العمل، ومن أشد ذلك تَبِعَةً: عدم تكافؤ الجهد المبذول لدعوة المرأة وتربيتها مع الواجب تجاهها، وما ترتـب عـلـيــه من تنحي المرأة عن ميدان الدعوة، وبخاصة في ظل الدور الإفسادي المركّز الموجّه إلى الـمــرأة الـمـسلمة في جل ديار الإسلام لإبعادها عن رسالتها.
التقصير في دعوة المرأة:
إن نظـرة في واقـع الصحـوة اليـوم، ومكان المـرأة فيـه تنبئ عـن ذلك ـ دون عناء ـ، ومن أبرز مظاهر ذلك:
1- قلة الطاقات والكفاءات الدعوية النسائية.
2- ضعــف الاستفـادة من هذا القليل؛ لندرة المبادرات الذاتية المستغلة لتلك الطاقات القليلة، وإهمالها في غالب الخطط الدعوية.
3- ضعف التكوين الدعوي والتربوي والعلمي لدى الداعيات الموجودات، وكثير من نساء الدعاة.
4- ضعف استيعابهن لدور أزواجهن الدعوي ـ المنوط بهم شرعاً ـ مما يفضي إلى شيء من التذمر، وربما الخصام!!
5- تفشي الجهل في الأمور الشرعية لدى غالبية النساء.
6- تأثير الدور العلماني الموجه لإفساد المرأة في الواقع المعاش.
7- ندرة المؤسسات الدعوية النسائية.
8- ضعف المؤسسات النـســائـيـة الدعوية القائمة ـ غالباً ـ؛ بدليل ضعف الإنتاج، وكثرة الوقوع في الأخطاء (1).
أسباب التقصير:
إن مما سبب إهمال المرأة أموراً عدة، هي في الحقيقة عقبات وعوائق، يصعب معها القيام بالواجب دون معرفتها وتحليلها، والسعي إلى معالجتها وتجاوزها:
-تسـلـيم المجتمع للموروثات الخاطئة عن المرأة، ونظرته المستنقصة لها، حيث يعتبرها مجـــرد أداة لحفظ النسل فقط، وأيضاً بمراعاته للعادات والتقاليد التي ليس لها أصل في الشرع، والتي تحد من الحركة الدعوية للمرأة.
-عدم اقتناع الرجل بمسؤولية المرأة الدعوية، وذلك عندما يحمّل قول الله (تعالى): ((وَقَرْنَ فِـي بُيُوتِكُنَّ)) [الأحزاب: 33]، مـــــا لا يحتمل، ويسيء استخدام حق القوامة، فيمنع المرأة من الخروج لمصلحة دينها ودنياها، وينسى أن المعاشرة بالمعروف تستلزم إذنه لها فيما لا محذور فيه ولا ضرر، ويسوء الحال أكثر عندما يكون أنانياً، أو ضيِّق الأفق، لا يفكر إلا في مصلحة شخصه، وأسوأ من ذلك: عندما يكون غير مستقيم.
-وبشكل أخصّ، فإن من الأسباب: غياب الأولـويـــات لدى الرجل الداعية الذي أذهله واقع أمته عن الاهتمام ببيته وأهله، واستُنفِدت طاقته في العمل الدعوي خارج المنزل، فلم يُبق له شيئاً في ظل تخاذل غيره عن القيام بواجبه، ممــــا أرهق الداعية وأفقده شيئاً من التوازن الضروري.
-والـمـرأة ذات دور مؤثر في الموضوع؛ وذلك عندما يضعف مستوى الوعي عند الملتزمات ويقفن دون مـسـتــوى النضج المطلوب، وأيضاً: حين تضعف رغبة المرأة في التضحية، أو تبالغ في التوسع فـي الـمباحات والكماليات، مما يضاعف جهدها داخل المنزل، وحين تصعب عليها الموازنة بـيـن الـحـق والواجب، وحين تفقد شيئاً من الموضوعية والتوازن، فتنسى أن عملها داخل بيتها هو جوهر رسالتها، وتغفل عن أداء دورها فيه، وأيضاً: حين تجهل ترتيب الأولويات فترتبط بعمل وظيفي يشغلها عن بيتها، فضلاً عن رسالتها الدعوية داخله وخارجه، وكذلك حين ينقلب الحياء خجلاً من أداء الواجب، فيصير مرضاً خطيراً يفتقر إلى العلاج.
-ومن الأسباب: محدودية بعض الدعوات الإصلاحية، وعجز أكثرها عن استيعاب المرأة، وعدم مراجعتها لخططها وبرامجها، وضعف التربية المؤدي إلى ضعف الشعور بالمسؤولية بالشكل المتكامل.
-ومن الأسباب: الكيد الخارجي ـ والداخلي أيضاً ـ المتمثل في الغزو الفكري، وخاصة الموجه للمرأة، تحت ستار: تحرير المرأة، مما أقصى المرأة عن رسالتها، وشوّه صورة الإسلام في ذهنها، واستخدمها في غير ما خلقت له، ومنها أيضاً الأوضاع الجائرة في كثير من بلاد المسلمين التي أقصت الرجال عن ميدان الدعوة، فضلاً عن النساء.
-وهناك أسباب أخرى، مثل: صعوبة المواصلات، وهذا أمر يهون؛ إذ لا مانع من الدعوة داخل البيت، ومع الجيران والزائرات والأرحام، وفي هذه الحال على ولي المرأة ـ وكل من يعنيهم الأمر ـ احتساب الأجر، وسعيهم في تذليل هذه العقبة.
أهمية إعداد المرأة الداعية:
ثمة أسباب ومسوغات كثيرة تعكس أهمية ذلك، ومنها:
1- أن المرأة أقدر من الرجل على البيان فيما يخص المجتمع النسائي.
2- أن المرأة تتأثر بأختها في القول والعمل والسلوك أكثر من تأثرها بالرجل.
3- أنها أكثر إدراكاً لخصوصيات المجتمع النسائي، ومشكلاته.
4- قدرتها على الشمولية للجوانب الدعوية النسائية، والتمييز بين الأولويات، لطبيعتها ومعايشتها للوسط النسائي.
5- أنها أكثر قدرة وحرية في الاتصال بالنساء، سواء بصفة فردية، أو من خلال المجامع النسائية العامة، التي يكثر فيها لقاء النساء من خلال قنوات الدراسة والتدريس والعمل والزيارات وغيرها.
6- أن كثيرات من المسلمات اللاتي يحتجن إلى دعوة وتوجيه وتربية يفتقرن إلى وجود المحرم الذي يقوم بدعوتهن؛ مما يعني تحتّم قيام بنات جنسهن بهذا الدور تجاههن.
7- أن وظيفة المرأة التربوية أوسع من وظيفة الرجل؛ لقيامها بالحمل والولادة والرضاع والحضانة، مما يجعل الأولاد أكثر التصاقاً وتأثراً بها من الأب، بالإضافة إلى طول ملازمتها للأولاد في البيت، خاصة قبل بلوغ الأبناء وزواج البنات، مما يمكنها من تنشئة أولادها كما تريد، وبالتالي فقد تضيِّع كثيراً من جهود زوجها الدعوية، إذا لم تحمل الهمّ الدعوي الذي يحمله، أو تقتنع بجدواه على الأقل، ولعل في قصة امرأة نوح (عليه الصلاة والسلام) وابنه ما يشير إلى هذا (نسأل الله السلامة).
8- أن للمرأة تأثيراً كبيراً على الزوج، فصلاحها معين على صلاحه، وأيضاً فإن ضعف قناعتها بأمر دعوته موهن له كثيراً، وفي قصة طلب زوجة فرعون الإبقاء على موسى (عليه السلام) ما يؤكد هذا، وكذا قصة إسلام عكرمة بسبب إلحاح زوجه أم حكيم (رضي الله عنها)(2).
9- تتميز المرأة بجملة من الصفات والخصائص، تؤكد الأهمية، كما ينبغي وضعها في الحسبان، ومنها:
أ – رقة العاطفة، والحماس لنشر قناعاتها.
ب – ضعف الإرادة، وسرعة التأثر، وحب التقليد.
ج – ضعف التحمل، والميل إلى الفسحة واللهو.
د – كثرة الإلحاح على الرجل ومراجعته، ومحاولة ثني إرادته، وتغيير قراره (3).
آثار قيام المرأة بالدعوة:
-رفع الجهل وإعمال سعة الأفق الفكري، وتوفير كفايات علمية نسائية تكون مرجعاً للنساء.
-إصلاح السلوك، واختفاء كثير من الممارسات الخاطئة التي أخذت طابع الظاهرة الاجتماعية في كثير المجتمعات.
اكون الداعية رقيبة على نفسها في حركاتها وسكناتها، مما يقلل متابعة الرجل، وحرصه على ذلك للثقة بها.
-إبراز مكان المرأة في الإسلام وإشعارها بحقوقها وواجباتها؛ لتسعى إلى أداء الواجب، والمطالبة بالحق الشرعي.
-التوازن في التوجيه، واتحاد الأهداف وتضافر الجهود لتنشئة الجيل المسلم الصالح.
-سدها ثغرة من ثغرات المجتمع، بوقوفها أمام تيار الفساد الموجه ضد المسلمين بعامة، والنساء منهن بخاصة.
-إحياء قوة الانتماء للإسلام، بإظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي من أعظم شعائره.
-تأمين رافد مالي مهم للدعوة، وهو جانب الإنفاق النسائي في وجوه الخير، لوفرة ما لديهن عادة، ووجود المال ـ أحياناً ـ من إرث ونحوه، ومن ناحية أخرى: حفظ مال الزوج من تبديده في الكماليات، للإبقاء عليه معيناً له على الاستمرار في دعوته (4).
المرأة المسلمة مدعوّة وداعية:
كل أمر ونهي عام في خطاب الشارع فإنه شامل للذكر والأنثى قطعاً، والمرأة داخلة فيه بلا شك، وإنما يوجّهَ الخطاب للذكور تغليباً على الإناث، وهـذا أمر سائـغ في اللغـة، إلا أن هناك أحكاماً لا خلاف في اختصاصها بالرجال.
وبالمقابل فإن الله (عز وجل) ونبيه قد خصّا النساء بأمور دون الرجال، مما يدل على اعتبار شخصيتها المستقلة عن الرجال، وهذا وذاك يؤكد وجوب التوجه إلى المرأة بالدعوة والتربية والإصلاح والتوجيه؛ فإنها مخاطبة بدين الله (عز وجل)، مأمورة بالتزام شرعه، مدعوة لامتثال الأوامر، وترك النواهي.
ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه للنساء خطاباً خاصاً بعد حديثه للرجال، وربما خصهن بيوم يعلمهن فيه دون الرجال(5).
ويؤكد الوجوب أيضاً: مسؤولية الرجل عن بيته مسؤولية خاصة، قال الله (عز وجل): ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم: 6]، وقال الرسول: (والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عن رعيته)(6)، وقد أورد البخاري (رحمه الله) في باب: (تعليم الرجل أَمَته وأهله) حديث أبي موسى (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لهم أجران ـ وذكر منهم ـ: رجل كانت عنده أَمَةٌ فأدبها فأحسن تأديبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران)(7)، ولا شك أن الاعتناء بالأهل الحرائر في التعليم والتربية آكد من الاعتناء بالإماء.
ويزداد هذا الواجب في حق الداعية؛ لاعتبارات كثيرة لا تخفى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المرأة مكلفة بالدعوة إلى الله (عز وجل)، ويستفاد وجوب الدعوة عليها من أدلة كثيرة منها:
1- عموم الأدلة على وجوب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقول الله (تعالى): ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَاًمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ…)) [آل عمران: 104]، ونحوه من الآيات والأحاديث.
2- تخصيصها بخطاب التكليف بالدعوة؛ كقوله (تعالى): ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً)) [الأحزاب: 32]، قال ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله (تعالى): ((وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً)): (أمْرُهن بالمعروف، والنهي عن المنكر)(8) وهذا خطاب عام لنساء المؤمنين، وقوله (تعالى): ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ…)) [التوبة: 71]، وهذا دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليهن كوجوبه على الرجال، حيث وجدت الاستطاعة، وكذا قوله: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته…)، وفيه: (والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم)، والراعي: هو الحافظ المؤتمن على ما وضع عنده، الملتزم صلاح ما قام عليه.
3- بعض الأحوال والقرائن والأحكام الشرعية، نحو:
أ- حرمة الاختلاط بين الجنسين؛ مما يعني وجوب قيام داعيات بين صفوف النساء.
ب- وجود بعض الأحكام الشرعية التي اختصت المرأة بروايتها عن النبي.
ج- صعوبة قيام الدعاة من الرجال بكل ما تحتاجه الدعوة بين النساء؛ لاختصاص المرأة ببعض الأحكام والأعذار الشرعية، التي يصعب إفصاح الرجال عنها، وتستحيي النساء من السؤال عنها(9)، إلى غير ذلك من الأمور التي يصعب القول معها بغير الوجوب.
حقيقة دور المرأة الدعوي المطلوب:
الناظر في دور المرأة المسلمة ـ في هذا المجال ـ يجد أنه كان لدعم عمل الرجل، ولا يصح بحال أن يستهان بهذا الدور؛ فإن المرأة تمثل السكن النفسي للرجل، وهي بذلك تؤدي دوراً دعوياً مهماً؛ لأنه لا يستطيع حل مشكلاته الخاصة إذا كان مشغول البال، فضلاً عن تحمله أعباء الدعوة. وكم عرفت الدعوات أناساً سقطوا على طريق الدعوة أو ضعف إنتاجهم؛ لهذا السبب.
وموقف خديجة (رضي الله عنها) في مواساة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومؤازرته وعونه: أكبر دليل على الأهمية البالغة لهذا الدور. ولقد تأملت في حال الصحابة (رضي الله عنهم) وسلف الأمة (رحمهم الله) في انطلاقهم في كل صقع من الأرض، مجاهدين ودعاة ومربين… وغياب بعضهم المدد الطويلة فألفيتها تعطي أوضح دليل على ما كان لنسائهم من دور فعّال في تربية أبنائهم، الذين كانوا على خطى آبائهم؛ ديناً ومنهجاً وقوة ومَضَاء!!.
وجُلّ نساء اليوم لا تعي هذا الدور، ولا تفهمه، ومن باب أوْلى لا تقوم به، فعندما تزف البنت إلى عش الزوجية تظنه مكاناً للراحة والتدليل، وما درت أنه بداية الكفاح والتضحية والمسؤولية والعطاء الذي تطرق به باب الجنة، إن قامت به على وجهه.
ولا يقف دور المرأة عند هذا الحد، فإن لها دوراً قوياً مؤثراً في كونها قدوة حسنة، كريمة الأخلاق، حسنة المعشر، تقضي حوائج الناس، وتشاركهم همومهم وأفراحهم ـ مع التزام الشرع ـ إضافة إلى الدعوة المقصودة في انتهاز الفرص المناسبة للدعوة والتوجيه، مع مراعاة أحوال المدعوات والمدعوين من المحارم(10)، وقد بلغ نساء السلف في هذا مبلغاً عظيماً.
صور من دعوة المرأة تجلي دورها:
حقاً لقد فهمت المرأة واجبها فبدأت بنفسها، فبادرت بطلب حقها من التعليم والتربية ولم تبالِ بعد ذلك بما حصلت عليه من متع الحياة الفانية، روى البخاري عن أبي سعيد (رضي الله عنه) قال: قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن.. الحديث(11).
فكانت ثمرة ذلك الفهم النسوي مع ذلك الاهتمام النبوي صوراً مشرقة، أدعو المرأة المسلمة إلى الوقوف معها.
فهذه (أم سليم) (رضي الله عنها) تلقن ولدها أنس بن مالك الشهادتين، مع رفض زوجهـا مالك بـن النضـر الإسـلام، حتى هلك، فخطبهـا أبـو طلحـة ـ وكان مشركاً ـ فتجعل مهر زواجها الإسلام، فيسلم، فتتزوجه، وتجعل ابنها خادماً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأم حكيم كانت سبباً في إسلام زوجها عكرمة، وعمة عدي بن حاتم كانت سبباً في إسلامه (رضي الله عنهم).
وعَمْرَة ـ امرأة حبيب العجمي ـ توقظ زوجها للصلاة ليلاً، وتقول: (قم يا رجل! فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدّامنا، ونحن قد بقينا)(12)، وأسماء (رضي الله عنها) نهت ابنها عبد الله ابن الزبير (رضي الله عنهما) عن قبول خطة غير مرضية خشية الموت، مع كبر سنها، وحاجتها لابـنـهـــا، ومن قبل كان لها موقف في صباها يوم هجرة الرسول، حـيـن سمـيـت (ذات النطاقين)، وكانت حفصة بنت سيرين (رحمها الله) تقول: (يا معشر الشباب! خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب) (13)، فإذا كان هذا حالهن في دعوة الرجال، فماذا يُظن بدورهن بين النساء؟.
وإذا انتقلنا إلى دائرة أوسع وجدنا للمرأة المسلمة دوراً عظيماً في التضحية والبذل لدين الله (عز وجل)، فبذلت سمية (رضي الله عنها) نفسها ـ قتلها أبـو جـهـل لإسلامها ـ، فكانت أول شهيدة في الإسلام، وأنفقت خديجة (رضي الله عنها) مالها، فكـانـت أول مـنـاصــر للـدعـوة، وكانت رقية (رضي الله عنها) من المهاجرات إلى الحبشة أول مرة، وضحّت أم سلمة (رضي الله عنها) بسبب الهجرة كثيراً، ففارقت زوجها، وأوذي ولدها، حتى جمع الله شـمـلـهـــا، وكان لعائشة (رضي الله عنها) صولات وجولات في العلم والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحضرت أم عمارة يوم أحد، وابنها معها، وقاتلت دفاعاً عن رسول الله -صـلـى الله عـلـيـه وسلم-، وحـضـــر نساء من المسلمين يوم اليرموك، فرددن المنهزمين إلى صفوف القتال، وكان لرفيدة الأسلـمـيــــة وغـيـرها جهد في معالجة جرحى المسلمين… والأمثلة أكثر من أن تذكر.
ضوابط عمل المرأة الدعوي:
الدعوة الموجهة إلى المرأة ينبغي أن لا تخرجها عن فطرتها وأنوثتها؛ وهناك ضوابط مهمة في هذا الباب يمكن إجمالها فيما يلي:
1 – الأصل: قرار المرأة في البيت، قــال (تـعـالـى): ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)) [الأحزاب: 33]، وقال: (المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان حتى ترجع)(14).
2 – للمرأة أحكام خاصة، لا بد من مراعاتها فـي أي نـشـاط دعوي يوجه إليها، أو تقوم به، ومن ذلك:
أ – التزام الحجاب الشرعي بشروطه، مع تغطـية الوجه والكفين، فالوجه موضع الزينة، ومكان المعرفة، والأدلة على وجوب ستره كثيرة.
ب – تحريم سفرها دون محرم، قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)(15).
ج – تحريم خلوتها بالأجانب، لقـولــــه: (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وفي رواية: (إلا كان الشيطان ثالثهما) (16).
د – تحريم اختلاطها بالرجال الأجانب، فقد قـال للنساء: (استأخرن؛ فإنه ليس لكنّ أن تَحْقُقْن الطريق، عليكن بحافات الطريق)، فـكـانـت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به(17).
هـ ـ تحريم خروجها من بيتها إلا بإذن وليها… إلى غير ذلك من الضوابط الشرعية التي لا يجوز الإخلال بها.
3 – يضرب أعداء الإسلام على هـــذا الوتر الحسّاس، ويجعلون مثل هذه الأحكام مدخلاً لوصفهم الإسلام بإهانتـه المـرأة، فتأثـر بذلك بعـض دعاة الإسلام، فحصل لديهم تفلّت في هذا الباب، فيتأكد في حق دعاة أهــــل الـسـنـة: ضرورة الانضباط في ذلك، وعـدم التأثـر والانصيـاع لشهـوات المجتمع ورغباته.
4 – الأصــــل في الدعوة والتصدر للميادين العامة: أنها للرجال، كما كان الحال عليه في عصر الرســـول والقرون المفضلة، وما رواه التاريخ من النماذج النسائية الفذة لا يقارن أبداً بما روي عـن الـرجـــال؛ وذلك مصداق قول النبي: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا: آسية: امرأة فرعون، ومريم: بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطـعــام)(18)، فـطـلــبُ مساواة المرأة بالرجل في أمور الدعوة ينافي روح الدعوة أصلاً.
5 – ولا يعني هذا الكلام إلغاء دور المرأة وتهميشه وإهماله، بل دورها لا ينكر، وشأنها له أهميته، لكن مع التزام ما سبق (19) من ضوابط، وللحديث بقية في العدد القادم ـ إن شاء الله (تعالى)
الهوامش :
1) وانظر: مشكلات وحلول في حقل الدعوة الإسلامية، عبد الحميد البلالي، ص 151.
2) انظر: المرأة المسلمة المعاصرة، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة، د. أحمد أبا بطين، 141 ـ 146 (وهي رسالة دكتوراه قيمة في هذا الباب)، نشرتها (دار عالم الكتب) بالرياض.
3) انظر: منهج ابن تيمية في الدعوة، د. عبد الله الحوشاني، جـ1، ص 216، 220.
4) انظر: المصدر السابق، 147 ـ 152.
5) انظر: صحيح البخاري، ح/98، 101.
6) متفق عليه، البخاري، ح/7137، مسلم، ح/1829.
7) كتاب العلم، ح/97، (الفتح جـ 1، ص 229).
8) تفسير القرطبي، جـ 14، ص 178.
9) انظر: المرأة المسلمة المعاصرة، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة، د. أحمد أبا بطين، ص 121 ـ 129، ومسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د. فضل إلهي ظهير، ص 11.
10) صفة الصفوة، جـ 4، ص 21.
11) رواه الترمذي، ح/1173، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ح/936، والمرأة فتنة ولو كانت متحجبة، لذا شُرع قرارها في البيت، فيقدر خروجها بقدر الحاجة.
12) رواه البخاري، ح/1862.
13) رواه البخاري، ح/5233، واللفظ للترمذي، ح/1171.
14) رواه أبو داود، ح/5272، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ح/4392، ومعنى (تحققن الطريق): تركبن وسطها.
15) رواه البخاري، ح/3411.
16) انظر: مجلة البيان، ع/95، ص 56.
17) انظر: مقابلة مع الأستاذة: خولة درويش، في مجلة البيان، ع/40، ص 78 ـ 84.
18) رواه البخاري، ح/101.
19) صفة الصفوة، جـ 4، ص 30.
(2من 2)
تحدث الكاتب عن أهمية الدعوة فـي محيـط النساء وأهمية أن تقوم النساء بالدعوة، وبيَّن الضوابط في خروج المرأة الداعية، بعد أن بـيَّن العوائق التي قد تقف أمام حركتها في دعوة بنات جنسها، ويواصل في هذه الحلقة بقية الموضوع .
البيان
أهداف دعوة النساء:
أعـظـم مـعـيـن عـلـى بـلــوغ الأهداف ـ بعد عون الله (عز وجل) ـ هو رسم الخطط العلمية ووضوحها، وتعيين الوسائــل والطرق المعينة على الوصول إليها، ومتابعة العمل فيها بدقة وجدّ، ولعل أهم الأهداف التي ينبغي للداعية رجلاً كان أو امرأة أن يهتم بها في دعوته في داخل البيت وخارجه، ما يلي(1):
أولاً: التربية الإيمانية، ويتحـقــق هذا الهدف بالعناية بوسائل منها: الوعظ والرقــائــق، ودراسة أسماء الله وصفاته وآثارهــا، وآياته في الكون من خلال الوسائل المتاحة، ودراسة الآيات والأحاديث ذات الصلة بها.
ثانياً: التأهيل العقدي، بتأصيل عقيدة أهل السنة والجماعة إجمالاً، وتأصيل القضايا ذات البعد العملي كالشرك، والولاء والـبـراء، وخـطـــر التشبه بغير المسلمين، وذكر ملامح أهل السنة والجماعة.
ثالثاً: التأصيل العلمي والشرعي، بتنمية حب العلم، والاهتمام به، وحفظ القرآن الكريم، وبعض الدروس والبرامج العلمية.
رابـعـاً: الـتـأهـيــل الفكري، بالتوعية بمعرفة التيارات والأفكار المنحرفة، وخطط الأعداء الماكرة التي كثيراً ما تخدع المرأة بأنواع من زخرف القول وادعاء إنصافها وتحريرها. ومن التأهيل الفكري أيـضــاً: توضيح المفاهيم الإسلامية الغائبة لدى كثيرات في خضم كثير من المناهج القاصرة والبـعـيـدة عــــــن التأصيل الشرعي في مناهج مدارس البنات في أكثر ديار الإسلام. والحق يقال: إن تعليم البنات في السعودية يعتبر نموذجاً طيباً للالتزام الشرعي، ويستحق التقدير.
خامساً: الـتـأهـيــل الـدعــــوي، ويمكن تحقيقه من خلال: تحميل المدعوين همّ الإسلام والدعوة؛ بتبصيرهم بأحوال الـمـسـلـمـين وجهود الأعداء، وتكوين الثقافة الدعوية، وبناء المبادرات الذاتية والمشاركة الفعالة في الدعوة، وتنمية الملكات التي يُحتاج إليها في الدعوة.
سادساً: تنمية الملكات التربوية، نظرياً وعـمـلـيـــاً بالاستفادة من الأخطاء وكيفية التعامل معها، والاستفادة من التجارب التربوية للآخرين ما أمكن ذلك.
سابعاً: تنمية الملكات الاجتماعية، في التعامل مـع الآخــــرين، بتمثّل القدوة الصالحة في نفسه، والربط بالقدوات، والتعريف بالحقوق والواجبات، وذكر النماذج الحيّة من حسن الخلق، وبيان كيفية كسب الآخرين.
ثامناً: بناء الحصانة ضـد المنكـرات، ويتـم ذلك ببيان أضـرار المعاصـي ـ وخاصة النسائية ـ وسد ذرائعها؛ بإبعاد وسائلها، وتجنب أماكنها.
تاسعاً: ملء الفراغ بالمباح، واستغلاله بالمفيد، ووسائل هذا كثيرة.
طرق إعداد المرأة للدعوة:
وهو المقصود الأهم مــن الحـــديث عن هذا الموضوع، وغير ممكن أصلاً أن تفي كتابة كهذه المقالة بشيء من هذا، غير أن هــــذا لا يمنع من إشارة تذكّر بجوانب من الموضوع، وتفتح الذهن لمداخله، وتبقي العهدة في مـراجـعــة ما كتب في الموضوع لمباشرة العمل، ومما يعوّل عليه في هذا الصدد: رسالة (المرأة المسلمة الـمـعـاصــــرة، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة، للدكتور أحمد أبا بطين)(2).
أسلوب إعداد المرأة للدعوة:
ولإعداد المرأة الداعية طريقان:
الأول: الإعداد النظري، ويشمل الجوانب التالية:
1- الإعداد العلمي: وهو أمر ضروري في جانبين:
أولهما: المادة العلمية التي تدعو إليها، وتريد تعليمها (3).
وثانيهما: العلم بالكيفية المناسبة لعرض تلك المادة.
وقد عني الإسلام بإعطاء المرأة حقها في التعليم، مع التزام الضوابط الشرعية لذلك، والعلم المقصود هنا: ما يفيد المرأة في دعوتها من العلوم الشرعية، والعلوم المساعدة على فهمها، ولا يجوز بحال أن نجعل العلم عائقاً عن الدعوة، كحال الكثيرين اليوم، فالواجب التوازن، وكل تدعو حسب علمها وقدرتها.
2- الإعداد النفسي: بأن تتوفر في الداعية صفات: الإيمان بالله ورسوله، والإخلاص، والتفاؤل، والجرأة في الحق، والاعتزاز بالإسلام، والصبر، ومعرفة حال المخاطبين وبيئاتهم.
وهو إعداد غاية في الأهمية لارتباط وظيفة الداعية بالناس، وهم مختلفون في أديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وأخلاقهم وأهوائهم وأهدافهم.
3- الإعداد الاجتماعي: وهو أن تعيش الداعية الحياة الإسلامية في الأسرة والمجتمع تطبيقاً عملياً كما تعلمتها نظرياً، وكما تريد للناس أن يكونوا، وذلك بالتزام دين الله (عز وجل)، والتخلق بأخلاق الإسلام، وأخلاق الدعاة بخاصة، وإلا كانت الداعية على هامش المجتمع.
ومن أهم عناصر الإعداد الاجتماعي: الشعور بأن الدعوة حق لجميع الناس يجب بذلها لهم، والصدق والأمانة والكرم والسخاء ـ في حدود ما تملك ـ، والزهد والعفة، والحلم والعفو، والرحمة، والتواضع، والمودة والتآلف(4).
الثاني: الإعداد التطبيقي:
وهو: تهيئة الداعية بالتدريب العملي على فن الإلقاء، والكتابة؛ لنقل دين الله (سبحانه وتعالى) إلى الناس، عن طريق الخطبة والدرس والمحاضرة والندوة، والكتابة بأنواعها المختلفة.
وهو أمر في غاية الأهمية؛ إذ الإلقاء والكتابة هما وسيلتا مخاطبة الناس بالدعوة، وبهما نحصّل الثمرات المرجوّة من الإعداد النظري، فكم من الدعاة مَنْ يضعف أثره بسبب ضعف إعداده التطبيقي، وقد حصل في هذا الإعداد تقصير كبير، أسهم في قلة الدعاة المؤثرين.
ويقوم هذا الإعداد على أمرين:
أولاً: فن الإلقاء للمحاضرة أو الدرس أو الندوة، أو الكلمة أو الموعظة أو الخطبة.. ونحو ذلك.
ويعتمد على عنصرين:
1- إقناع المستمع بمخاطبة عقله بالأدلة والبراهين.
2- إثــارة عاطفتـه وأحاسيسـه ومشاعره وهما أساس التأثير.
ولكل نوع من أنواع الإلقاء خصائصه ومميزاته وفوائده وأسسه وطريقته الخاصة، ويتطلب الإعدادُ لها جانبين:
أ – النظري: بمعرفة أهمية الخطبة ـ مثلاً ـ وأنواعها وصفات الخطيب.
ب- العملي: بالتطبيق والإلقاء أمام النساء في خطبة في المسجد أو المدرسة أو مجتمع النساء.. مع مراقبة المتدربة، وملاحظتها وتقويم أخطائها شيئاً فشيئاً.
ثانياً: الكتابة وذلك بإعداد البحوث والمقالات والنشرات… لنشرها في الكتب والمجلات والصحف التي طالت كل الناس، وأخذت جزءاً كبيراً من أوقاتهم، ويعتمد أسلوب الكتابة على عاملين:
1- دقة العبارة وسلامتها.
2- قوة إقناع القارئ بالمكتوب: بوضوح الدليل، وقوة الاستدلال، والصدق والتوثيق.
وتعد الكتابة من أنسب وأهم الوسائل الدعوية بالنسبة للمرأة؛ إذ يمكنها الكتابة وهي في بيتها، فتستغل بها أوقات فراغها، وتصل بما تكتب إلى جميع طبقات المجتمع. والكتابة كالإلقاء تتطلب إعداداً نظرياً وعملياً ليس هذا مكان تفصيله(5).
ميادين دعوة المرأة:
الإنسان مكوّن من روح وجسد، ويمكن تقسيم عمل الداعية ـ بناء على هذا ـ قسمين:
أولاً: الميادين التربوية: وهي الميادين المتعلقة بتربية الروح وتزكية النفس وتطهيرها بالإيمان، ويمكن من خلالها مخاطبة عقل الإنسان وروحه، وتتمثل هذه الميادين في المساجد والمدارس والمؤسسات والجمعيات الدعوية، ونحوها.
ثانياً: الميادين الاجتماعية، وهي الميادين المتعلقة بتربية الجسد من ناحية النمو والسلامة والصحة النفسية والاجتماعية والجسدية وأخذ الزينة، وتبادل هذه الخدمات بين الناس بما يخدم التربية الروحية؛ لإبراز الشخصية المسلمة، كما أراد الله (عز وجل).
وهذان الجانبان ـ الروحي والجسدي ـ مترابطان، وينبغي الوفاء بهما جميعاً بتوازن؛ لأن تغليب طلروح: رهبانيةٌ، وتغليب الجسد: حيوانيةٌ، وكلاهما مذموم، وكم كانت تلبية الحاجات الجسدية سبباً في إسلام وهداية الكثير، وهو أسلوب يركز عليه المفسدون ـ وخاصة المنصّرين ـ اليوم؛ لأنه يصةب على الجائع والمريض والعاري والمشرّد أن يستمع لك ويعي كلامك، بل يكاد ذلك أن يكون محالاً(6).
وسائل دعوة المرأة:
يمكن للداعية أن تبث دعوتها في الميادين التربوية والاجتماعية من خلال الوسائل التالية:
1- المنزل: وهو الميدان الخصب، والوسيلـة الأبلـغ تأثيـراً، ولا غرو أن الله جعل كـلاً من الزوجـين راعياً في بيتـه، وسيسألـه الله عن أهلـه وزوجه، وأمرهما بوقاية الأهل من النار، ومهما حصل من تقصير من أهل المسؤولية في الدعوة من خـلال الوسائل الأخرى، فإن ذلك مما يزيد مسؤولية الأبوين. والأم لها نصيب كبير ـ كما تقدم ـ والمسؤوليات التي تشارك فيها الرجل كثيرة أهمها: مسؤولية التربية الإيمانية، والعلمية، والخلقية، والجسمية، والنفسية، والاجتماعية، والجنسية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله (تعالى).
ويتميز المنزل عن بقية الوسائل باجتماع أفراد الأسرة فيه لساعات طويلة، والتوافق النفسي والاجتماعي بينهم، مما يتيح إمكانية عرض القدوة الصالحة، والتأثير عبر التوجيه الموزع غير المباشر، والملاحظة المستمرة، والاستفادة من سائر الفرص والأحوال وتأثير التوجيه والعقاب؛ لكونه بعيداً عن أعين الناس.
2- المجتمع: من خلال الإحسان إلى ذوي القربى والجيران والمحتاجين، ودعوتهم وتوجيههم، مما يوحي بترابط أفراد الأمة، وكونهم كالجسد الواحد.
3- المدرسة: من خلال استغلال المناهج الدراسية،والأنشطة المدرسية في توجيه الطالبات، وتربيتهن، والعمل على توجيه المدرسات والعاملات وإصلاحهن.
4- المسجد: حيث يجوز للمرأة الحضور إليه بإذن زوجهـا، ـ ولا ينبغي له منعها إذا استأذنته ـ للاستفادة مما يلقى فيه، ومن القدوة الصالحة؛ حيث يرتاد المسجد النخبة من الناس، وهو مكان مناسب لأنشطة نسائية مفيدة من حلقات تحفـيــظ القرآن، وتعليم العلم الشرعي النافع وغيرها.
5- المستشفيات والسجون ومراكز الرعاية الاجتماعية(7).
وعَوْداً على بدء أقول: إن المقصود بالكلام هو العمل، ولا مكان اليوم للكسالى ولا النائحين. إن إعداد المرأة ميدانُ تنافُسٍ كبير، تتسابق فيه الأمم والشعوب والملل والمذاهب.
انظر مثلاً: كتاب (المرأة وبرنامج التثقيف ـ المجالس الحسينيـة نموذجـاً) لـ (عالية مكي) لترى أن الرافضة ينتقلون من مرحلة النياحة، إلى مرحلة أخرى من البناء والتثقيف والإعداد والتربية؛ ليقينهم أن العواطف لا تجدي شيئاً في عالم الصراع اليوم.
ولقد وعت الصوفية هـذه الحقيقة، فسعت إلى إقامة حركة نسائية، امتدت في بلدان عدة، تقوم بتربية المرأة تربية تتفق مع المنهج الصوفي.
فأين المتحرقون من أهل السنة والجماعة حقاً لواقع المرأة المسلمة حتى لا تكون صيداً سهلاً للمنصّرين وللرافضة والمبتدعة؟
وبعد: فما زالت المرأة تـتـطـلــع إلـى المزيد من عناية العلماء والدعاة بها، كما أن الصحوة تنتظر من المرأة الكثير والكثير من الـتـوجيه والإرشاد السليمين من الإفراط والتفريط.
وما نيل المطالب بالتمني.
والله من وراء القصد.
الهوامش :
1) انظر شرح هذه الأهداف،ووسائل تحقيقها وطرقها،في مقال: الدعوة إلى الله في البيوت، عبد الله البوصي، في البيان، ع/88، ص 14 ـ 22.
2) وأظن الكتاب سد ثغرة مهمة، فجزى الله مؤلفه خيراً، ومن الكتب المفيدة في الجوانب الدعوية والتربويـة النسائيـة ـ على قلتها ـ: مشكلات المـرأة المسلمة المعاصـرة وحلهـا في ضـوء الكتاب والسنة،دكتورة/ مكية مرزا، والمرأة في العهد النبوي، دكتورة/عصمت الدين كركر، ومسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهـي عن المنكـر، د/ فضل إلهي، والنساء الداعيات،د/ توفيق الواعي، ويا نساء الدعاة، للزبير فضـل مضوي، والداعية الناجحة، لأحمـد القطان، وشخصية المرأة المسلمة، د.محمد علي الهاشمي.
3) من الجوانب العلمية الملحّة:ما يخص المرأة من أحكام، وهو أمر تأخر إفراده بالتأليف، فقد كتب ابن الجوزي (رحـمه الله) (ت597هـ) كتاباً سمّاه (أحكام النساء)، قال في مقدمته: (ولم أر من سبقني إلـى تصنيف مثـله)، ولـ (صـدّيـق حسن خـان) كتاب: (حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة) وهـنــاك مـوسـوعــة نسائية شاملة بعنوان: (المفصّل في أحكام المرأة)، د. عبد الكريم زيدان، غير أن (ابـن الـجـوزي) (رحمه الله) قد ضمّن كتابه ـ على صغر حجمه ـ ما لم يشتمل عليه الكتابان ـ عـلـى كبرهما ـ وهو فصل لذكر صفحات نسائية مشرقة في جوانب عدة بمثابة قدوات عملية للمرأة.
4) انظر تفصيلاً أكثر في رسالة د.أحمد أبا بطين، ص 153 ـ 244.
5) لمعرفة تفاصيل الخطوات العملية للإعداد، انظر رسالة د. أبا بطين، ص 245 ـ 298.
6) انظر الميادين مفصّلة، في مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة، ص 432 ـ 459.
7) انظر: المصدر السابق، ص 460 ـ 520. |